من روائع الشعر القصصي الصيني

قصيدة يرجع تاريخها إلى 1700 سنة

نظمها شاعر مجهول

 ترجمها من الصينية إلى الفرنسية وعلق عليها :

( هان هانس هانغ )

ترجمها من الفرنسية إلى العربية ، وعلق عليها :

عبد المعين الملوحي

ـــــــــــــــــــــــــ

* مجلة الأدب الصيني ( باللغة الفرنسية ) العدد 2 الفصل الثاني 1984 ص29 – 41

 

عرض القصيدة :

                   بقلم : زي بيان

تمهيد

منذ ألف وسبعمائة سنة ، عاش في ( لو جيانغ ) زوجان شابان ، ثم انتحرا حباً .

مأساة هذه الأسرة الفتية مسّت قلوب الناس مسّاً عميقاً ، وقد روّت قصيدة طويلة قصة هذه المأساة بكل ما فيها من تفاصيل .

ظلت القصيدة تنتقل شفوياً من فم إلى فم طوال ثلاثمائة عام ، ثم سجلت كتابياً منذ ألف وأربعمائة سنة . وفيما يلي ننشر هذا الأثر الأدبي الصيني النفيس .

نجهل اسم الشاعر الذي نظم هذه القصيدة القصصية ، وقد استوحى حوادثها من أسطورة شعبية قديمة. كان عنوانها الأصلي : ” قصيدة من قصائد الأسلوب القديم مهداة إلى زوجة ( جياو زون جينغ ) ” . نشرت أول مرة في ديوان ” قصائد جديدة من سطح اليشب (سو لينغ ) ( 507 – 583 ) وهو أديب من أدباء الجنوب . ثم أصبح البيت الأول من القصيدة ” الطاووس يطير نحو الجنوب ـ الشرقي ” عنواناً لها . وتمت كتابة مقدمة لهذه القصيدة الطويلة تحدثت عن عصرها ، ومواقعها وأشخاصها الأساسيين .

وبعد نشرها أول مرة تداولتها مجموعات شعرية كثيرة تضم قصائد قديمة .

وقد أعجب الأدباء بهذه القصة جيلاً بعد جيل ، واعتبروها أطول القصائد التي عرفت حتى ذلك العهد.

حب كبير في مجتمع إقطاعي :

تتألف القصيدة في مجموعها من 353 بيتاُ وتضم 1765 مقطعاً صينياً . وهي أطول قصيدة قصصية من ( ذوات التفعيلات الخمسة ) . تستنكر القصيدة فظاعة الأعراف والتقاليد وقواعد السلوك في المجتمع الإقطاعي . وخلاصتها أن ( ليو لا نزي ) وهي الشخصية الرئيسية في القصة صبية مثقفة مجدة ، جميلة وذكية ، تزوجت وهي في السابعة عشر من عمرها ( جيد زون جينغ ) وأحب كلاهما صاحبه حباً رقيقاً ، كان من المفترض أن يعيش الزوجان سيدين ولكن الزوجة ـ ويا للأسف ـ لم تحظ برضا حماتها فعاملتها هذه معاملة قاسية ثم أجبرت ابنها على طلاقها . واضطرت الفتاة لكي من زواج ثانٍ ولكي تظل مخلصة لزوجها الأول ، اضطرت إلى الانتحار فكانت ضحية من ضحايا النظام الموروث وتقاليد الإقطاعية القاسية ، وأسرع زوجها بعد انتحارها إلى اللحاق بها في عالم الموتى .

في هذه القصة نرى كيف استطاعت قواعد السلوك الإقطاعية بطغيانها تدمير سعادة زوجين شابين ، كما نرى أن الانتحار هو الوسيلة الوحيدة التي عبر بها هذان الشابان عن احتجاجهما واستنكارهما لهذه الأعراف والتقاليد وثورتهما عليها .

ولو أن الزوجين لم ينتحرا لكان معنى ذلك أنهما خانا عهودهما واستسلما خاضعين للأعراف الإقطاعية المناقضة لحرية الأزواج . ولكن موتهما منتحرين كان إشارة ورمزاً لانهيار قوى النظام التي مارست عليهما ضغطاً لا يحتمل وإرهاباً لا يطاق ، لقد سدد هذا الانتحار لطمة صاعقة لكل الذين قاموا باضطهاد الزوجين الحبيبين .

أبدى ناظم القصيدة المجهول كل عطفه على الزوجين الشابين . وأبرز حبهما ومقاومتهما ، كما انتقد كذلك انتقاداً عنيفاً أم ( جياد ) وأخاها ( ليو ) اللذين مثلا السلطة الإقطاعية .

أما نهاية القصيدة فقد بلغت مستوى شاعرياً رفيعاً :

دفنوا العاشقين المنتحرين معاً في قبر واحد ، وزرعوا على جوانب القبر أشجار الأرز والصنوبر والدفلي ، فألقت الأغصان ظلالها على القبر وتعانقت فوقه ، وبنى طائران من ( طيور الحب ) عشهما بين أوراق الشجر وجعلا يتناجيان ويغنيان مرفوعي الرأس ، وكأنهما بذلك يرمزان رمزاً مؤثراً لحب راسخ لا يتزعزع . ولا يستطيع الإرهاب ـ مهما اشتد ـ أن يدمره .

هذه النهاية التي أضفى عليها الشاعر سحراً موجعاً تعبر ـ دون ريب ـ عن أماني الشعب وتطلعاته للخلاص من الإرهاب .

غنى الشخصيات النفسي :

عرض الشاعر بطلي القصة ( لانزي ) و ( زون جينغ ) والأم ( جياد ) والأخ (ليو) عرضاً يكد يكون رسماً تخطيطياً ، في لغة واضحة بسيطة ، كانت كل هذه الشخصيات تنبض بالحياة ، وانصب اهتمامه ـ على الخصوص ـ في وصف دقيق على ل( لانزي ) البطلة التي كانت عرضة للاضطهاد ، وثائرة عليه في وقت واحد .

لم تخضع الصبية لا لتهديدات العائلة ولا لاغراءات الثروة والجاه . لقد كان الواجب عليها حسب التقاليد الإقطاعية الكونفوشية أن تظل صامتة ـ مهما حدث ـ ولكنّها رفضت هذه التقاليد وثارت عليها . عندما أدركت أنّ حماتها تريد طردها طلبت هي نفسها أن تعود إلى أهلها . وعندما استأذنت العجوز لتعود إلى بيتها لبست أحسن ثيابها في عناية ، دلت ـ أمام حماتها ـ على رباطة جأشها وبرودة دمها . ولكنّها أمام أخت زوجها جرت دموعها غزيرة . وهي التي لم تذرف دمعة واحدة أمام حماتها . وخضعت ـ في الظاهر ـ لزوجها الثاني الذي أعدته لها أمها وأخوها ، ولم تنبس بكلمة واحدة عندما أجبرها على قبول الزواج مرة ثانية . ولكنّها ـ في الواقع ـ كانت عاقدة العزم على الخلاص من مصيرها ، ولو أدى ذلك إلى موتها .

لقد أخفت قرارها الأسود هذا حتى عن أمها ، ولم تكشف هذا السر الأليم إلاّ لزوجها الأول ، وهكذا بلغت غايتها التي رسمتها لنفسها ، ويدل هذا التصرف وهذا السلوك بما فيه من دقة ، على ما في سجاياها من إرادة وتصميم .

يؤكد الشاعر رقة الصبية ، فهي رغم الإهانات التي كالتها لها حماتها لم تشك أمرها إلى زوجها مادامت مقيمة في بيته ، ولكنّها ذكرت له ذلك عندما أوشكت على العودة إلى أهلها . وهي في شكواها لم تبالغ ولم تتزيد ، وذلك لأنها أدركت وضعها إدراكاً تاماً ، وقاست الشقاء وتحملته ، ولم تشر إلى المستقبل المجهول .

وفي عودتها إلى أهلها في انتظار طلبه عودتها إليه ، قالت له وهو يرافقها : ” لا تثق بكل هذه الأوهام ” ثم أضافت : ولماذا الحديث عن عودة محتملة ؟ في هذه الكلمات ما يدل على صفاء روحها ووضوح رؤيتها ، ومع ذلك ولكي لا تهدم آمال زوجها ، عند وداعهما قالت له : مادمت تحتفظ بي في قلبك فأنا أرجو أن تعود إليَّ عن قريب ” وعندما لامها ( زون جينغ ) على زواجها الثاني أسرعت إلى إزالة سوء التفاهم بينهما فقالت له :

” نحن كلانا ضحية الطغيان ” ” أنت شقي وأنا شقية ” من هذا السلوك الصادق تبدى كل ما تتمتع به من حب وحنان .

أما ( زون جينغ ) فكان أقل تماسكاً من امرأته في طبعه . يبدو أنّه مطبوع بطابع الأعراف الإقطاعية ومتأثر بها ، فهو لم يعرف كيف يتصرف أمام النزاع العائلي الدائر بين أمه وزوجته . ومع ذلك فعندما بلغه موت حبيبته قرر أن يضحي بنفسه حباً لها ، رغم إحساسه بواجبه نحو أمه ، ورغم أنّه أطلع أمه على نيته ، ويجدر بنا أن نشير إلى أنّه عبر عن قلقه لترك أمه وحيدة بعد موته . كل هذه الجزئيات تعكس لي بشكل دقيق ضعف شخصيته والتناقضات التي تعبث به .

استغرق الحوار حول أوضاع الشخصيات وأعمالها ثلثي القصيدة ، وهكذا بدت لنا صفاتها وسجاياها المتنوعة في وضوح تام . ولعلّ من أحلى الحوارات ما دار بين الزوجين الشابين ، وبين ( لانزي ) وحماتها، وبين وسيط الزواج ، وأسرة الفتاة . ويعود هذا النوع من الحوار في بلادنا إلى أسلوب ( يوفو )(1)

إننا نجد أنفسنا أمام قصيدة ـ قصصية تحفل بعدد كبير من الشخصيات ، رائعة من الروائع قدها الناس جميعاً حق قدرها في كل العهود .

 

استخدام التناقض والتطور خلال الوصف ، كان هو أيضاً سمة مميزة من سمات قصائد الوصف في ( يو فو ) . والإسهاب في القصائد لا يسهم فقط في انسجام الأبيات ، بل يعين كذلك على غزارة الصور وغناها ـ على الخصوص ـ ، إنّ وصف لباس ( لانزي ) وزينتها عندما غادرت بيت ( زونغ جينغ ) يبرز جمال الصبية ، ويبدي ـ في الوقت نفسه ـ رباطة جأشها ودمها البارد ، وكذلك فإنّ حفلة الزواج المترفة التي أعدتها أسرة الحاكم والتي وصفها الشاعر بكل ما فيها من تفصيلات استخدمت في تأكيد سجايا ( لانزي) التي لا تبالي بالغنى ، ولا تعبأ بالجاه . ثم إنّ وصف جو الاحتفال بالعرس الجديد يناقض تماماً يأس الزوجين الشابين . كل هذه الوقائع حققها الشاعر في شكل يدعو إلى الإعجاب .

لقد اعتبر الناس قصيدة ( الطاووس يطير نحو الجنوب ـ الشرقي ) بتقنيتها الشعرية الرفيعة وبمبادئها المناهضة للإقطاعية رائعة من الروائع وتحفة من التحف . ونحن اليوم ومنذ  1700 سنة ما نزال لا نمل الاستماع إليها والاستمتاع بها .

 

ـــ(1) يوفو كلمة تدل في الأصل على هيئة مكلفة جمع الأغاني والموسيقى الشعبية في عهد أسرة ( هان ) ثم بقي الاسم بعد ذلك للدلالة على هذه المؤلفات .

القصيدة :

الطاووس يطير نحو الجنوب ـ الشرقي

يطير الطاووس نحو الجنوب الشرقي

ويتردد فيتوقف كلما اجتاز خمسة أميال

*  *  *

” في الثالثة عشرة من عمري        تعلمت الحياكة ،

” في الرابعة عشرة من عمري       أجدت الخياطة ،

” في الخامسة عشرة من عمري عزفت على القيثارة ،

” في السابعة عشرة من عمري      صرت زوجتك

” ما أكثر ما عانيت من الحزن والمرارة

” وأنت بعيد تعمل موظفاً في أقصى الولاية

” ولكن حبي ـ رغم غيابك عني ـ ظلّ مخلصاً لك .

” عندما يصيح الديك صيحته الأولى أشرع في عملي .

” أشتغل من الصباح حتى منتصف الليل دون أن أرتاح ،

” أحوك كل ثلاثة أيام خمس قطع من النسيج .

” ولكنّ حماتي تعتقد أني امرأة كسول ،

” وليس ذلك لأني أبطئ فعلاً في نسيجي ،

” ولكن من العسير أن تكون امرأة كنة عند أسرتكم .

” أرجوك أن تمضي إلى أمك

” وقدم لها رجاءك في تسريحي ـ إذا أطاعها قلبها ”

*    *   *

سمع ( زون جينغ ) كلام زوجته

فمضى إلى أمه وكانت تتمشى في بهو البيت ، وقال لها

” أنا ولدك ، وقد ولدت فقير الحال

” ولكني سعيد بزوجتي هذه ،

” لقد جمعنا حياتينا منذ زواجنا

” ونريد أن نبقى كذلك حتى نموت .

” حياتنا الزوجية ـ وقد كادت تنقضي منها ثلاث سنوات ـ

” ليست إلاّ في أولها ، إنّها ليست طويلة .

” سلوك الصبية لا غبار عليه .

” ولست أفهم لماذا لم تنل رضاك . ”

أجابت الأم ابنها الموظف :

” ما هذه الحماقة التي تنطق بها يا ولدي ؟

” امرأتك هذه تنقصها اللباقة وآداب السلوك .

” إنها عاصية تتصرف في كثير من الحرية

” منذ زمن بعيد وأنا أتحمل إهاناتها .

” أما أنت فلا أستطيع أن أدعك تتصرف حسب هواك

” في بيت جيراننا فتاة فاضلة

” جميلة جمال ” كين ليوفو(1)

” فتانة إلى حد بعيد ،

أريد أن أخطبها لك ،

” أسرع فطلق زوجتك هذه

” ولتذهب دون رجعة . ”

ركع ابنها على ركبتيه وانحنى لها

وتوجه بقلبه إلى أمه خاضعاً وقال لها

” إذا طلقت هذه المرأة اليوم فسأبقى طول حياتي دون زواج .”

غضبت الأم غضباً مخيفاً حين سمعت كلام ولدها

وجعلت تضرب المنضدة بيديها وتصرخ

” يا لك من ولد وقح لئيم

” يتجرأ فيدافع عن زوجته .

” هذه الزوجة التي لا توحي لي بأي عطف

” لن تنال رضا أمك ـ على كل حال ـ

*   *    *

لزم ( زون جينغ ) الصمت وحيا أمه

ثم انسحب إلى غرفة زوجته

وأعاد عليها كل ما دار بينه وبين أمه

وقال لها ، وصوته متهدج يقطعه النحيب :

” لا أريد أبداً هجرانك

” ولكن أمي مصرة ولا أستطيع لأمرها ردا ،

ـــــــ

(1)  امرأة تقول الأساطير إنّها جميلة جداً .

” خير لنا أن تذهبي فترة من الزمن إلى بيت أهلك ،

” وأسافر أنا إلى عملي في الولاية ،

” سأعود إليك عمّا قريب ،

” وأردك عندئذ إلي .

” فاطمئني ولا تقلقي .

واتبعي كل ما أوصيك به .”

قالت الصبية لزوجها الموظف :

ـ ” حذار أن تعقد الأمور ،

” سأعود إلى بلدي في هذا الشتاء الذي لا أنساه ،

” إلى بلدي الذي تركت فيه أسرتي لألتحق بأسرتك الشريفة ،

” نفذت إرادة والدتك في كل أمر .

” كيف أجروء على التصرف حسب إرادتي ؟

” اشتغلت ليلاً ونهاراً دون راحة

” أجهدت نفسي ونسيت تعبي

” ما أظن أني ارتكبت خطأ

” في أداء واجباتي نحو أمك الطيبة ،

ورغم ذلك فقد تم طردي

” لماذا تتحدث عن عودة محتملة ؟

” لي ثوب مطرز تطريزاً دقيقاً

” إنّه يفيض ألقاً وروعة

” ولي كلة محفوفة بسماء من حرير لماع

” جوانبها الأربعة مطرزة بحاشية معطرة ،

” ولي ستون حقيبة وأشياء أخرى

” مربوطة بحبال وخيوط زرق وخضر .

” ولي أدوات أخرى مختلفة الأنواع والأشكال ،

” كل هذه الأشياء لا قيمة لها ما دامت صاحبتها موضع احتقار .

” إنّها لا تليق باستقبال زوجتك التي ستحل محلي .

ولذلك فأنا أتركها لك لتهبها لمن تشاء ،

” وما دمنا لن نلتقي أبداً

” فلعلها تدخل إلى قلبك شيئاً من العزاء حين تراها

” ولعلها تحيي ذكراي في نفسك فلا تنساني ”

*    *    *

صاح الديك ، وكاد ينبلج النهار

أفاقت الصبية وأخذت زينتها

ارتدت إزارها وثوبها من الديباج

توقفت مراراً لتدقق في كل التفصيلات .

وانتعلت حذاءين من الحرير

وجمعت شعرها في دبوس من عظم السلحفاة

ولمع في أذنيها قرطان من اللؤلؤ في لون القمر

وتراءت شفتاها قرمزيتين ،

ومشت في خطوات خفيفة

إلى البهو فاستأذنت حماتها

فتركتها هذه ترحل ، دون أن تقوم بحركة للإمساك بها ،

قالت للعجوز :

ـ ” عندما كنت صغيرة عشت في ركن منعزل في الريف

” لم أقتبس قواعد السلوك الحسن ،

” أنا غير لائقة بابن أسرتك النبيلة

” في زواجي تلقت أسرتي منكم كثيراً من المال .

” ولكني عندما دخلت بيتكم لم أخدمك كما يجب

” واليوم ، وأنا أعود إلى بيت أبويّ

” يعزّ عليّ أن أراك وأنت تقومين بأعباء البيت ”

مضت الصبية لتودع أخت زوجها

وعندئذ سالت دموعها غزيرة كأنّها لآلئ تتساقط

قالت لها :

ـ ” عندما دخلت هذا البيت

” لم تكوني أطول من هذه المنضدة ،

” أما الآن ، بعد أن طلقني زوجي ،

” فقد أصبحت قامتك في طول قامتي .

” كوني نشيطة واعتني بأمك خير عناية

” واهتمي بأمورك ، فأنت ما تزالين صغيرة .

 

 

 

” في اليوم السابع من الشهر السابع ومن كل الأيام التي تقع في التاسع عشر من كل شهر(1)

” حاولي ألا تنسيني عندما تلعبين مع صديقاتك .

قالت الصبية ذلك وصعدت إلى عجلتها

وقد غرقت وجنتاها بفيض من الدموع .

*     *    *

أما  العجلة سارت مطية زوجها الموظف

ووراء المطية سارت عجلة الصبية .

قرعت سنابك الخيل الأرض ، وصرّت دواليب العجلة صريراً .

توقف الزوجان عند مفرق طرق .

ترجل ( زون جينغ ) وصعد إلى العجلة

أحنى رأسه ، وهمس في أذن زوجته

ـ ” أقسم لك إني لن أهجرك .

” ستقضين أياماً عند أهلك .

” وسأمضي إلى عملي في الولاية

” وسألحق بك حتى بعد أيام

” أقسم لك بالسماء : إني لن أخونك .”

قالت الصبية عندئذ لـ ( زون جينغ )

ـ ” أشكر لك هذه العواطف الصادقة

” وما دمت تحتفظ بي في صميم قلبك

” فأنا أرجو أن أراك تعود إليّ عما قريب .

” أنت مثل صخرة

” وأنا مثل عرق في قصبة تقاسي التجربة

” أما الصخرة فراسخة لا تتزعزع .

” ولكن لي أخاً هو أكبر مني سناً

” طبعه قاس .

” أخشى أن يكرهني على الزواج إذا رآني مطلقة

” وذلك ما يقلقني ويرهقني .”

ــــــ

(1) لم أدر المقصود من هذا التحديد للزمن ولعله من الأزمنة القمرية التي يعتني بها أهل الصين ، كما أخبرني بذلك أحد أصدقائي من الصين وهو من أيام السعد والانسجام عندهم .

 

رفع الزوجان يديهما للوداع ، وهما حزينان

كئيبان تسحقهما حسرة واحدة .

*    *    *

اجتازت الصبية باب بيتها ورأت أهلها

حيتهم في احترام دون أن ترتبك

رأتها أمها فضربت كفيها وصرخت :

ـ ” ما كنت أحسب أن تعودي إلينا وحدك

” عندما كنت في الثالثة عشرة علمتك الحياكة

” في الرابعة عشرة          تعلمت الخياطة

” في الخامسة عشرة        عزفت على القيثارة

” في السادسة عشرة        أحطت بقواعد السلوك

” في السابعة عشرة  ، عند زواجك ، زودتك بأوامري وتوصياتي

” فلماذا عدت إلينا وحدك ولماذا لم أذهب أنا لإحضارك

” إن لم يكن هنالك ما يعيبك . ”

 

قالت الصبية لأمها قلقة مرتبكة :

ـ ” أماه . الحق أني لم أرتكب خطأ ”

 

نزل بالأم كرب شديد ، وحزن عظيم

 

بعد عشرة أيام من عودة (لانزي)

أرسل رئيس المقاطعة وسيطا

قال الوسيط :

ـ ” الولد الثالث من أولاد رئيسي

” شاب جميل . ذو قوام رشيق

” عمره ثمانية عشر عاماً أو تسعة عشر

” أهل لتلبية طلبه ، فهو نابغة .”

قالت الأم لابنتها الصبية :

ـ ” عليك أن تكشفي عما في ضميرك .”

أجابت الصبية ، وعيناها مغرورقتان بالدموع :

ـ ” في الطريق وأنا عائدة إلى بيتنا

” جدد لي ( زون جينغ ) وصاياه ،

” أقسمنا ألا نفترق ،

” أخشى إن أنا حنثت اليوم بقسمي

” أن تحل بي مصيبة

” أرجوك أن تعتذري عني للوسيط

” مازال لدينا متسع من الوقت ندرس فيه هذا الموضوع .”

عمد ذلك قالت الأم لرسول حاكم المقاطعة :

ـ ” ليس في بتنا المتواضع غير هذه البنت

” ولقد عادت منذ قليل من بيت زوجها الأول .

” وإذا كانت غير لائقة بموظف صغير

” فهي أقل لياقة بالسيد الكبير ،

” أرجو أن تطلع على هذه الأمور في إسهاب

” وأفضل أن نتريث قبل قبول اقتراحك .”

*    *    *

بعد أيام من رحيل الوسيط

أرسل حاكم الولاية رسوله .

عاد الرسول من مهمته وقال لسيده :

ـ ” في أسرة (لان) ، وهي أسرة موظفين قدماء

صبية جميلة تصلح زوجة لولدك . ”

ثم أضاف :

ـ ” للوالي ولد خامس

” كثير الدلالة على والديه ولكنّه ما يزال عزبا

” وطلب مني الحاكم أن أكون له وسيطا . ”

لم يكد يقول ذلك حتى مضى إلى ( لانزي ) وقال لها :

ـ ” في بيت الوالي سيد شاب جميل

” يريد أن يرتبط بأسرتك

” لقد أوفدني الحاكم إلى بيتك الشريف .”

ردت الأم على طلب الرسول فقالت :

ـ ” ابنتي حريصة على عهودها

” فكيف تريد أن أجيبك بدلاً عنها ؟ “سمع أخو ( لانزي ) الكبير ما قالته أمه

فاستبد به الغضب

وقال لأخته الصغيرة :

ـ ” أ يمكن أن تكوني طائشة إلى هذا الحد ؟

” في زواجك الأول كان زوجك موظفاً صغيراً ،

” وفي زواجك الثاني سيكون زوجك سيداً كبيرا .

” قارني بين هذا وذاك وسترين الفرق بينهما مثل الفرق بين الأرض والسماء .

” سترفلين هذه المرة في أثواب الشرف

” وإذا رفضت طلب ابن الوالي

” فلماذا تريدين البقاء في هذا البيت ؟ ”

رفعت ( لانزي ) رأسها وقالت لأخيها :

ـ ” أنت على صواب يا أخي الكبير

” لقد تركت بيتنا لأخدم زوجي

” ولكني عدت إلى أسرتي وما أزال في منتصف عمري

” أنت يا أخي من يقرر في هذا البيت كل أمر .

” فكيف تريد أن أقرر أنا ما أريد .

” أحب زوجي الأول الموظف

” ولكن لا سبيل إلى لقائه من جديد .

” اقبل ـ إذا شئن ـ طلب ولد الحاكم

” ويمكن أن نحتفل بالزواج في أمد وجيز .”

وقف الوسيط واستأذن

وشكر مضيفه في حفاوة

ومضى إلى الحاكم في قصره

ـ ” أنا خادمك المطيع ، كلفتني القيام بهذه المهمة

” وكان لي مع الأسرة حديث آتى ثمرته .”

سمع الحاكم هذا الخبر

فلم يستطع كبح جماح فرحه .

نظر إلى التقويم السنوي واستشار المواقيت ،

وجد في الشهر نفسه حظاً سعيداً

تجتمع فيه الانسجامات السبعة

قال :

ـ” في الثلاثين من هذا الشهر مناسبة مثالية

” نحن اليوم في اليوم السابع والعشرين منه

” هيا . ليكن كل شيء جاهزاً للاحتفال .”

وأذيع أمر الحاكم بالاستعداد :

هاج الناس وماجوا ، فكأنّهم غيوم تسبح في السماء .

دهنت المراكب ، صورت عليها طيور بيض وخضر

زخرفت زواياها الأربع بشعارات التنين وراياته

وجعلت الرايات ترفرف في مهب الرياح ،

وضعوا للعجلات الذهبية دواليب من اليشب

وجعلت الخيول المطهمة تشب في هيجان

وطرزت سروجها بعقود من الذهب الخالص الرنان .

قدمت لأسرة الصبية هدايا من ملايين الدنانير

وقد صرت الهدايا كلها بخيوط خضر

وقدمت لها كذلك ثلاثمائة قطعة من الحرير الملون

ومنتجات نادرة جاءت من البحر الجنوبي .

وسار وراء الموكب عدة مئات من الرجال واحداً بعد واحد

خرجوا جميعاً من قصر الحاكم .

*    *    *

قالت الأم لابنتها الصبية :

ـ ” الآن وصلتنا رسالة الحاكم

” سيصل الموكب غداً لأخذك

” فلماذا لا ترتدين ثيابك ؟

” حذار أن تؤخذي على حين غرة .”

لزمت الصبية الصمت

غطت فمها بمنديلها وأجهشت بالبكاء ،

وتساقطت من وجهها إلى الأرض دموع مرة

نقلت سريرها الصغير الموشى بالبلور من مكانه

ونصبته عند النافذة الأمامية

تناولت المقص والمسطرة   بيدها اليسرى

أمسكت أثواب الديباج والحرير بيدها اليمنى

في الصباح أتمت خياطة ثوب الديباج

في المساء  صنعت وشاحاً من الحرير .

وعندما أدبر النهار وحل الليل

خرجت حزينة لتبكي خارج بيتها .

*   *    *

سمع الموظف أنباء هذه الأحداث التي لم يكن يتوقعها

فطلب إجازة وسافر

على بعد ميلين أو ثلاثة أميال من بيت ( لانزي )

صهل حصانه صهيلاً موجعاً

وعرفت الصبية صهيل الحصان

مشت في هدوء للقاء زوجها

كانت عيناها تفيضان حزناً وتنظران إلى بعيد ،

عرفت أنّ زوجها القديم وفى بوعده وعاد إليها

رفعت يدها وألقتها على سرج حصانه

وقالت له :

ـ ” منذ تركتنني

” فاجأتني أحداث وأحداث

” لم يسر شيء كما تمنيناه وخططنا له ، ولقد تنبأت بذلك .

” يستحيل عليّ أن أشرح لك كل ما حدث

” مارست أمي وأخي الكبير كلاهما الضغط عليّ .

” وافقا على خطبتي لرجل آخر

” فماذا تريد أن أصنع ؟ ”

وأجاب الموظف في مرارة :

ـ ” أهنئك على ما أنت فيه من نعيم

” الصخرة راسخة صلده

” سيبقى قلبي صامداً ولو بعد ألف عام

” ولكن عرق القصبة لا يثبت أكثر من ثانية واحدة

” إنّه لا يلبث أن يتمزق

” أنت بين يوم ويوم تسيرين في طريق الثروة والشرف .

” أما أنا فأمضي وحيداً إلى الدار الآخرة .”

قالت الصبية عندئذ للموظف :

ـ ” ما كنت أظن أن تقول لي ما قلته

” نحن كلانا ضحية الطغيان ،

” أنت شقي وأنا شقية

” سنلتقي قريباً في العالم الآخر

” ليتمسك كل منا بهذا العهد .”

ثم تصافحت يداهما وافترقا

ليعود كل منهما إلى مسكنه

عندما يفترق إنسانا حيّان ليلتقيا في أحضان الموت .

فليست هنالك كلمات تستطيع التعبير عن مرارة هذا الفراق .

لقد قررا أن يمضيا إلى الدار الآخرة

وما من شيء يمكن أن يربطهما بالحياة الدنيا .

*   *   *

عاد الموظف ( زون جينغ ) إلى بيته

ومضى إلى البهو لتحية أمه

قال لها :

ـ ” الريح تعصف اليوم والجو عنيف

” البرد دمر الأشجار والأعشاب

” الصقيع سحق زنابق الباحة

” ولدك مثل هذا النهار الذي يتلاشى

” سوف يغادر أمه لتعيش بعده وحيدة

” لقد اتخذت أنا نفسي هذا القرار المشؤوم

” لا تنقمي على الأرباب

” ولتكن حياتك طويلة مثل جبل الجنوب ،

” ولتكن صحتك زاهرة متينة .”

سمعت الأم هذه الكلمات فانتحبت وفاضت عيناها بسيل من الدموع

ودمدمت وهي تنشج وتشهق :

ـ ” أنت يا ولدي وريث أسرة كبيرة ،

” لقد كان أسلافك من الموظفين العظام .

” لا تمت من أجل تلك المرأة ذات الأصل الوضيع ،

” ليس من الخيانة طلاق امرأة ناقصة

” عند جيراننا في الشرف فتاة فاضلة

” جمالها ليس له مثيل في المدينة

” سأخطبها لك يا ولدي

” وسيتم الأمر خلال يوم أو يومين .”

 

حيا ( زون جينغ ) أمّه مرة أخرى

وعاد وهو يشهق إلى غرفته الخالية

لقد قرر التضحية بنفسه في سبيل حبه

ولكنه ، وه يترقب موته ، حدق طويلاً

في غرفة أمه ، والألم يمزقه

*   *   *

طلع النهار ، وعلى صحصحة الخيول وخوار الأبقار

دخلت (لانزي ) خيمة الزوجة الجديدة .

وعندما هبط المساء وسكنت الضجة وساد الصمت

قالت :

ـ ” اليوم تنتهي حياتي

” عمّا قليل ستمضي روحي وتبقى جثتي ”

قالت ذلك وخلعت حذاءها الحريري

وفضت عنها ثيابها ، وألقت بنفسها في البركة الصافية .

سمع الموظف ( زون جينغ ) الخبر فأدرك

أنّه لن يرى حبيبته الغالية أبداً

تمشى تحت شجرة الباحة

وشنق نفسه على غصن يجنح نحو الجنوب ـ الشرقي

*    *    *

طلبت الأسرتان أن يدفن العاشقان معاً

في قبر  واحد عند سفح جبل ( هوس ـ هان )

في شرقي القبر وغربيه نبتت أشجار الأرز والصنوبر

على يمين القبر وشماله امتدت ظلال الدفلي

وتعانقت أغصان الشجار

وامتزجت أوراقها

وسكن بين الأغصان زوجان من الطيور

سماهما الناس ” طيور الحب ”

كانا يتراءيان ويغردان مرفوعي الرأس ،

في كل ليلة حتى الهزيع الخامس .

وظل المارة يتوقفون لسماع غنائهما .

أما الأرامل فكن لا يطقن البقاء فيهرعن مجنونات .

*    *     *

نصيحتي للأجيال المقبلة

أن يأخذوا العبرة من هذه القصة وألا ينسوها أبدا

*     *     *

تعقيب

بقلم عبد المعين الملوحي

 

هزتني هذه القصة الصينية الرائعة ” الطاووس يطير نحو الجنوب الشرقي ” ولاحظت الملاحظات التالية :

1 ـ تتشابه أحوال العاشقين في كل الشعوب : يهجرون ، يقاسون ، يموتون أو ينتحرون .

2 ـ وجدت لهذه القصة الصينية مشابه في أخبار التراث العربي والتاريخ العربي ، منها :

أ ـ الآباء والأمهات يتدخلون في التفريق بين الأزواج المتحابين ومنهم :

1 ـ أبو بكر الصديق ، فقد تزوج ابنه عبد الله عاتكة بنت زيد بن عمر بن نفيل ، فعشقها حتى كاد يطير عقله .. فلما تزوج بها أقام سنة لا يشتغل بسواها ى، ثم قدمت عليه تجارة من الشام ، فخرج يتعاطى أمرها ، فخيل إليه حين خرج أنّه لم يعد ينظر إلى عاتكة فعاد في الأثر فجلس معها وترك التجارة . فلما كان يوم جمعة وهو معها ، إذ فاتته الصلاة ، وهو لا يدري ، وجاء أبوه ، وهو أبو بكر الصديق ، فوجده عندها ، فقال له : أ جمعت ( أصليت الجمعة ؟ ) فقال : وهل صلى الناس ؟ فقال قد ألهتك عاتكة عن التجارة ، فلم نهتم بذلك ، ولم نقل شيئاً ، وقد ألهتك عن الصلاة ، طَلِّقْها ، فطلقها طلقة ، واعتزلت ناحية ، فلما كان الليل قلق قلقاً شديداً ، فأنشد :

أعاتك لا أنساك ما ذر شارق     وما ناح قمري الحمام المطوقُ

فلم أر مثلي طلق اليوم مثلها     ولا مثلها في غير شيء  تطلقُ

وكان أبو بكر على سطح يصلي ، فرق له فقال له : أرجعها ، فقال : قد أرجعتها ، ثم أشرف على غلام له فقال له : أنت حر ، وأشهد أني أرجعت عاتكة ، ثم ضمها إليه وأعطاها حديقة .

( تزيين الأسواق في أخبار العشاق لداوود الأنطاكي 1:245ـ246

وإذا كان هذا التدخل الأبوي قد توقف وعاود الزوجان المتحابان حياتهما المشتركة ، فهناك تدخلات أخرى تحولت إلى مأساة :

2 ـ قيس بن ذريح وزوجته لبنى بنت الحباب الكعبية .

تزوجها قيس وأقام مدة مديدة معها على أرفع ما يكون من أحسن الأحوال ومراتب الإقبال وفنون المحبة ، وكان قيس على أبلغ ما يكون من أنواع البر بأمه ، فشغله الانهماك مع لبنى عن بعض ذلك ، فحسنت أمه لأبيه التفريق بينهما فقالت له : لو زوجته بمن تحمل لتجيء بولد كان أبقى لنسبك وأحفظ لبيتك ومالك ، وأنّهما عرضا ذلك على قيس فامتنع امتناعاً يؤذن باستحالة ذلك وقال : لا أسيبها قط ، واقام يدافعهما عشر سنين ، إلى أن أقسم أبوه أو أمه لا يكنه سقف أو يطلق قيس لبنى ، فكان إذا اشتد الهجير يجيئه فيظلله بردائه ، ويصطلي الحر حتى يجيء الفيء . فيدخل إلى لبنى ويتعانقان ويتباكيان ، وهي تقول : لا تفعل . إلى أن قدر له أن طلقها . فلما أزمعت الرحيل بعد انقضاء العدة .. فأتى إليها فمنعه أهله وأخبروه أنّها غداة غد ترحل إلى أهلها فسقط مغشياً عليه .

وتبعها حين ارتحلت ينظر إليها ، فلما غابت رجع يقبل أثر بعيرها . ومازال يتقلب بين المرض والصحة حتى ماتت لبنى ، ومات بعد ثلث من موتها ودفن إلى جانبها ..

( المصدر نفسه 1  : 83 – 96 باختصار )

3 ـ عروة بن حزام وعفراء

حال أهلها دون زواجه بها وزوجوها لرجل غني .. فلما مات عروة ألقت نفسها على قبره فحركت فوجدت ميتة .

ب ـ حكاية الشجار التي نبتت على قبور العاشقين

جاء في نهاية القصة الصينية هذا المقطع العاطفي المؤثر :

طلبت الأسرتان أن يدفن الحبيبان معاً

في قبر واحد ، عند سفح جبل ( هوس ـ هان )

في شرقي القبر وغربيه نبتت أشجار الأرز والصنوبر

على يمين القبر وشماله امتدت ظلال الدفلي

وتعانقت أغصانها

وامتزجت أوراقها

ورفرف بينهما زوجان من الطيور

سماهما الناس ” طيور الحب ”

الخ ..

جـ ومثل هذه الحكاية تتردد كثيراً في الأدب العربي :

1 ـ لما ماتت ( عفراء ) ودفنت إلى جانب ( عروة ) فنبتت من القبرين شجرتان ، حتى إذا صارتا على حد قامة التفتا فكان المارة ينظرون إليهما ، ولا يعرفون من أي ضرب من النبات هما ، وكثيراً ما أنشد فيهما الناس شعراً ..

( المصدر نفسه 1 : 133 )

2 ـ شجرة العروسين :

تزوج عتبة بن الحباب ريا ثم مضيا إلى أهله ، وفي الطريق خرجت خيل ، فأصابت طعنة نحر عتبة فمات ، فلما علمت ريا بموته جاءت حتى انكبت عليه وأنشدت شعراً .. ثم شهقت شهقة فماتت .

قال الراوي ، عبد الله بن معمر القيسي : فواريناهما معاً ، فأقمت سبع سنين ، ثم رجعت إلى زيارة قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـفقلت : لا أبرح أو أزور عتبة ، فجئت فإذا أنا بشجرة عليها ألوان من الورق ، قد نبتت على القبر ، فسألت عنها فقالوا ” شجرة العروسين ”

( المصدر نفسه 1 : 165 – 166 )

وورد في شاعرات العرب 1 – 15 : سعدى الأسدية نعيمة ، علقها فتى من قومها فمنعه أبوه من الزواج بها، وزوجها أبوها من رجل آخر فاشد وجد الفتى بها فأنشدها شعراً فأجابته سعدى ووعدته مكاناً وزماناً . فجاء في الموعد فوجدها ميتة فاحتملها إلى شعب بذرى جبل وضمها ملتزماً لها فمات . ثم إن بعضهم وجدهما فأبلغ عنهما فدفنوهما .

رأي :

أ ترى اطلع الأدباء العرب حين رووا أخبار الشجر على قبر عروة بن حزام وعفراء وعتبة وريا ، على هذه القصة الصينية وحديثها عن شجرة العاشقين المنتحرين ؟ ما أظن .. ولكن العواطف الشعبية تتشابه في شفقتها على العشاق المحرومين ، ونهايتهم الحزينة ، هذه الشفقة التي لا تقتصر على الشجار الملتفة بل تصل إلى الطيور المغردة . فكأنّ الطبيعة شاركت الناس في حزنها على العشاق .

 

همسة :

ورد في تحليل القصيدة للكاتب ” زي بيان ” ما يلي :

( منذ ألف وسبعمائة سنة ، عاش في بلاد ( لوجيانغ ) زوجان شابان ثم انتحرا حباً .. وبعد نشر ( القصيدة ) تداولتها دوواين كثيرة ، وقد أعجب بها الأدباء جيلاً بعد جيل .. ونحن اليوم ومنذ 1700 سنة لا نما الاستماع إليها والاستمتاع بها .. )

وإذا كانت هذه القصيدة الصينية لا يمل أهل الصين تكرارها وترديدها وقد مضى عليها 17 قرناً ، فلماذا يلوم بعض الناس العرب لأنّهم ما يزالون يعجبون بالشعر الجاهلي ويرددونه ولم يمض عليه 15 قرناً؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *