الأدب في بلادنا مهنة الحزن والألم والشقاء

لقاء مع الكاتب والمترجم

” عبد المعين الملوحي “

الأدب في بلادنا مهنة الحزن والألم والشقاء

الخيال مهما جمح يظل اقل خصباً من الحياة

                          المساء ـ لبنان ـ العدد /292/ التاريخ 18/7/1988

                          أجرت الحوار : وفاء الخشن

مقدمة :

عبد المعين الملوحي كاتب ومترجم منذ أكثر من نصف قرن ، بدأ عمله  الأدبي في العام 1936 ونشر أول كتاب في القاهرة عام 1945 وكان بعنوان ” ذكرياتي الأدبية ” لمكسيم غوركي ، نشر حتى الآن 67 كتاباً ، في التأليف والتحقيق والترجمة ، ونشر في الصحف أكثر من ثلاثة آلاف مقال وبحث وقصيدة ، عبد المعين الملوحي في مكتبته الآن مائتا مخطوطة تنتظر النشر . ومع ذلك فإنّ الكثيرين لا يعرفون اسم عبد المعين الملوحي ، لكن هذا لا يقلل من أهمية هذا الكاتب ـ المترجم الذي يمكن القول بثقة أنّه استطاع ـ فيما أمكننا الاطلاع عليه من الأعمال التي ترجمها ـ نقل نبض اللغة حتى بدا كتاب ككتاب رسول حمزاتوف ” داغستان بلدي ” ، وكأنّه كتب بالعربية كلغة أم ، عبد المعين الملوحي الذي ولد في العام 1917 ومازال يعمل ، أجرت معه مراسلتنا في دمشق وفاء الخشن هذا الحديث وكان السؤال الأول حول السبب الذي جعل مخطوطاته تقبع في أدراج خزانته ، وهنا نص الحديث مع الموحي :

ـ لأنّ أحوالي المادية لاتساعد على نشر هذه الكتب على نفقتي الخاصة ، ودور النشر كما هو معلوم لا تقدم على نشر مجموعات كثيرة ، مثلاً ترجمت الشعر البولوني من أول عصوره وحتى الآن في كتاب يقع في حوالي ألف صفحة ، ثم الشعر الهنغاري من أول عصوره حتى الآن في ثمانمائة صفحة ، ولم تنشر دور النشر هذين الكتابين لأنهما كبيران والطباعة مكلفة ، ثم أنني جربت وياللأسف دور النشر الخاصة فلم أكن أحصل منها على قرش واحد .

” داغستان بلدي ” هذا الكتاب ربحت منه دار النشر ما لا يقل عن مئة وخمسين ألف ليرة ، لم أحصل منها إلاّ على ألف ومئة وست ليرات فقط . ومجلدان كبيران لهنري هايني نشرتهما إحدى الدور في بيروت ولم تعطني قرشاً سورياً واحداً.

ثم أعطاني صديق في حمص ألف ليرة حيث كان يتولى بيع كتبي التي نشرتها تلك الدار .

في بيروت نشرت ” حق الشعوب في تقرير مصيرها ” و “مذكرات جاسوس” و ” دور الأفكار التقدمية في تطوير المجتمع ” وأخذت خمس ليرات فقط ، ” مذكرات حياتي ” لمكسيم غوركي نشرتها في مصر أخذت جنيهاً واحداً .

وضع الطباعة والنشر حزين جداً ومؤسف جداً في بلادنا .

* ماذا تعتقد حول مصير هذه المخطوطات ؟..

ـ هذه المخطوطات ستبقى في أدراجها إلى ما شاء الله .

* هل تستطيع إذاً أن تسمي مهنة الأدب بالمهنة الفقيرة والحزينة في بلادنا؟..

ـ طبعاً هذه المهنة هي مهنة الذين لا يجدون مهنة غير اللم والحزن والشقاء وأحياناً كثيرة الاضطهاد ، هناك ديكتاتور في أمريكا الجنوبية قال هذه الكلمة الفظيعة: ” إذا سمعت باسم مثقف أصوب مسدسي ” لقتله  طبعاً .

* هل تتمنى أنّك لم تكن كاتباً أم أنك راض بهذا القدر ؟..

ـ الآن ليس باستطاعتي أن أغير قدري ، القدر هو الذي قادني إلى هذا الموضع وأنا راض به لكنْ هناك شيء أريد أن أقوله لك ، أولادي الخمسة لم أعلم منهم واحداً اللغة العربية لأنني خفت أن يسير أحدهم على طريقي في الأدب ويتورط، فكلهم وجهتهم توجهات علمية .

* كثير من كتاباتك هي صورة لحياتك الواقعية ، هل في حياتك ما يغني خيالك ؟..

ـ لكل إنسان ، مهما كانت مرتبته الاجتماعية ، حياة واقعية حافلة ، ولقد كانت حياتي كذلك ، بل كانت أكثر مما أطيق ، والذي أحب أن أقوله أنّ الخيال مهما كان جامحاً يبقى أقل خصباً من حقائق الحياة .

* لقد رثيت نفسك ، لماذا اخترت رثاء نفسك في الوقت الذي أعطيت وما تزال تعطي الكثير ؟..

ـ بدأت برثاء نفسي حين مرضت في الصين عام 1978 ونحن في عام 1988 ، وما أزال أعيش وأعمل ولم أمت موتاً زمنياً ولا موتاً وجودياً ، وعندي مشاريع أدبية كثيرة أرجو أن أنجزها . لقد كان رثائي لنفسي واقعاً ملموساً عندما بدأت به وأصبح الآن ذكرى .

* من المعروف أنّك كتبت القصيدة العمودية ، فكيف تنظر إلى القصيدة الحديثة ؟..

ـ كتبت القصيدة العمودية والقصيدة الحديثة مع المحافظة على الوزن وتبديل القافية . القصيدة الحديثة نوع أدبي مقبول مادامت له موسيقى ، وما دام عربياً .

* كتبت عن الحب والحرب وليس أكثر منهما ما يغير الإنسان ، ما هو التغيير الذي أحدثه فيك كل منهما ؟..

ـ كانت حياتي سلسلة من الحب المفجوع بالموت أو بالخيانة ، وأنا أدين لهذا الحب بأحسن ما كتبت ، أما الحرب فلم أعرفها بصورة مباشرة أبداً ، كل ما كتبته عنها من أحاديث الأخ المرحوم عصام السرطاوي الذي كتبت عنه قصيدة ” الحب والحرب ” في ديوان يحمل هذا العنوان .

* شاركت في تحرير مجلة ” الثقافة ” التي لا تعطي كتابها بدلاً عن مقالاتهم. لماذا وقع اختيارك على هذه المجلة بالذات ؟..

ـ شاركت في تحرير مجلة ” الثقافة ” الدمشقية وما أزال أشارك دون مكافأة مادية وذلك لأسباب ثلاثة هي :

1 ـ أنا أجد في بيتي ثمن خبزي وخبز  أطفالي فلا أريد مكافأة .

2 ـ الأدب لا يطعم أديباً ولا شاعراً في بلادنا .

3 ـ مجلة الثقافة تنشر أعمالي الأدبية .. وتستحق التشجيع ..

 

* ترجمت العديد من الكتب عن لغات أجنبية ، كيف تقوم بعملية الترجمة؟..

ـ الترجمة نافذة نطل منها على آداب العالم وحياته وأفكاره ، وبهذا المعنى فالترجمة عمل حضاري راق لا تستغني عنه أمة سواء أكانت كبيرة أم صغيرة . لقد نشرت حتى الآن 30 كتاباً مترجماً من أشهرها ” تاريخ الأدب الفيتنامي ” من أول عصوره حتى الآن ، ومن آخرها تاريخ الأدب السويدي من أول عصوره حتى الآن وديوان محمد إقبال ” جناح جبريل ” وأتوقع أن تظهر لي عن قريب ترجمات أخرى.

* ولكن ألا ترى أن لعملية الترجمة آثاراً سلبية ؟

ـ ليس للترجمة آثار سلبية إلاّ إذا كانت تثير غرائز الجنس أو العنف في الإنسان ، وتبقى لها آثارها الإيجابية في غير هذا المجال .

* ما هو المنهج الذي تتبعه في عملية الترجمة ؟

ـ المنهج الذي أتبعه في الترجمة يمر بمرحلتين :

1 ـ المرحلة الأولى : الترجمة الحرفية والتقيد الكامل بالنص .

2 ـ المرحلة الثانية : صياغة الترجمة صياغة عربية سليمة ، عندما يقرأ القارئ ترجمتي يشعر أنّها ليست ترجمة وإنما هي مكتوبة باللغة العربية .

* لكن بعض النقاد يرفضون الترجمة بتصرف ؟

ـ الترجمة التي يتصرف بها المترجم فيزيد وينقص ويحذف ما يريد ويضيف ما يريد ليست ترجمة على الإطلاق ، وإنما هي كتاب من تأليف المترجم استمد عناصره من غيره .

* من المعروف عنك استغراقك الطويل في العمل ، أيهما برأيك أشد أثراً العمل أم الإلهام في عملية الإبداع ؟..

ـ قضيت فترة غير قصيرة من حياتي أدخل مكتبتي في الساعة الخامسة صباحاً وأخرج منها في الساعة الحادية عشرة ليلاً ، مع راحة ساعة أو ساعة ونصف للغداء والقيلولة ، وكان هذا من أسباب مرضي الخطير .

الإلهام هو العنصر الأساسي في الإبداع ، ولكن الإلهام يحتاج إلى عمل وجهد وإلا اختفى كالبئر إذا لم يضخ منه الماء يبقى راكداً . لقد ذكرتني بكلمة لغوتيه التي يقول فيها ” العبقرية أن تعمل من الصباح إلى المساء ” ..

* هل يمكن رد الإبداع إلى العفوية التامة أم أن الذات الواعية هي المرجع في الكتابة ؟

ـ الذات الواعية عندما تتدفق يخيل إلى الأديب أنّها حالة من العفوية التامة ، وإنما هي ولادة بعد مخاض طويل وعسير .

* أسست في الثلاثينات جمعية النهضة العربية ” لدعم الفصحى ” ما هو تأثير تلك الجمعية ؟..

ـ أسسنا في حمص في الثلاثينات جمعية ” النهضة العربية “للتحدث باللغة العربية الفصحى وأقمنا لها فروعاً في بعض المدن السورية ومنها ” حماه ” و ” سلمية ” ولقد لقيت تأييداً غير قليل لكن السلطات الفرنسية آنذاك انزعجت من الجمعية فلما رأتنا أطفالاً يافعين تركتنا وأوقفت الجمعية .

ولا باس أن اذكر لك طرفة حدثت في حياة الجمعية :

جاء أحد الأصدقاء يسأل عني في بيت أهلي فخرج له أخي فسأله :

أين أخوك ؟ أخاك ؟ أخيك ؟ فضحك أخي ثم ناداني .

فكرة الحديث عن الطعام والعلاقات الجنسية والأولاد : لماذا لا تحب الحديث عنها ؟

ورد في سؤالك ما أكره الحديث عنه ، أما ما أحب الحديث عنه فثلاثة أمور أيضاً :

1 ـ انتصار الشعوب في كفاحها وتقدم الإنسان .

2 ـ هموم الأمة العربية ونجاحها في نضالها إن كان هناك نجاح .

3 ـ حديث الأدب والشعر والفن والكتب .

 

* هل قررت تمضية حياتك على الطريقة التي عناها شوبنهاور عندما تحدث عن الحياة المحزنة التي يجب إنفاقها بالتأمل ؟..

ـ رأي شوبنهاور في الحياة وأنّها محزنة رأي متشائم أوً وخاطئ ثانياً : الحياة فرحة وينبغي أن نزيدها فرحاً بالقضاء على سلبياتها إلى أقصى حد ممكن وأكثر كتاباتي تفيض بالتفاؤل والكفاح وفرح الحياة .. إلاّ عندما تصل المصيبة حداً أفقد فيه السيطرة على نفسي وقلمي وأصاب بالذهول وتضيع نفسي مني .

* تتحدث كثيراً عن الحزن ، ألا ترى أن الكتابة تعوضك جزءاً كبيراً من الحزن الذي تغرق فيه ؟..

ـ نحن سعداء بكتاباتنا وكتبنا . عندما أجد كتبي الشخصية وهي مجلدة مصفوفة في مكتبتي أشعر أني في عرس ، وعندما أرى مخطوطاتي مكدسة أشعر أني في مأتم . لقد قلت مرة في مجلة ” هنا دمشق ” : الكتاب نشوة لولاه لم نكن بشراً ..

ــــــــــــ

ـ الكتب المترجمة بتصرف هي من تأليف المترجم بينما عناصرها مستمدة من غيره .

ـ عندما تتدفق الذات الواعية عند الأديب يعتقد أنّها حالة من العفوية .

ـ ترجمت ” داغستان بلدي ” لحمزاتوف وحصلت على ألف ومائة وست ليرات سورية .

ـ الترجمة نافذة نطل منها على آداب العالم وحياته وأفكاره .

ـ عندما أنظر إلى كتبي المصفوفة أشعر وكأني في عرس ، وعندما أرى مخطوطاتي مكدسة أشعر أني في مأتم .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *