احياء كتاب حدائق الرند

ترجمة: (ترجيع بند) للشاعر التركي رضا باشا

عربها شعراً أثر العبد الفقير محمد بشير الحلبي المعروف بالغزي

نشرتها: المطبعة الحلبية في حلب دون ذكر التاريخ

 

هذا ديوان شعر نفيس عثرت عليه في مكتبة والدي ـ رحمه الله ـ فوجدته ديوان شعر ممتاز، وها أنذا أقدمه للقارىء العربي.

لم تذكر المطبعة التي طبعت الديوان تاريخ طباعته، ولكني أعتقد أنه من مطبوعات أوائل القرن العشرين.

أما مترجمه إلى اللغة العربية شعراً فهو الشاعر محمد بشير الغزي، فمن هو؟

 

محمد بشير الغزي:

جاء في الأعلام 6: 278 مايلي:

الشيخ محمد بشير الغزي (1274-1339هـ، 1857-1921م)، محمد بشير بن محمد هلال بن محمد الألاجاني ـ المعروف بالغزي: قاض، من أعيان حلب، مولده ووفاته فيها، كان نائباً عنها في مجلس النواب العثماني أيام الترك. ثم قاضياً لها بعد خروجهم من بلاد الشام، وكان آية في الحفظ. من محفوظاته أمالي القالي والكامل للمبرد، ابتدأ حياته بالتدريس في مساجد حلب، ولم يكن من (آل الغزي) وإنما رباه أخوه لأمه الشيخ كامل الغزي فنسب إليهم. له رسالة «في التجويد ـ ط» و«نظم الشمسية ـ ط» في لمنطق و«تفسير ـ خ» مختصر قال من رآه يمكن طبعه على هامش المصحف، و«حدائق الرند في ترجمة ترجيع بند ـ ط» منظومة في الحكم والأمثال، ترجمها عن التركية.

وفي الهامش: له ترجمة في أعلام النبلاء 7: 623 وأدباء حلب 50.

وهذه ترجمة أكثر تفصيلاً لمترجم الديوان:

الشيخ بشير الغزي([2]) (1857-1921م)

 

 

 

علم من أعلام اللغة والأدب:

ليست ثقافته الأدبية واللغوية دون ثقافة الشنقيطي أو المرصفي أو غيرهما من أعلام اللغة الذين استفاضت شهرتهم في القرن التاسع عشر…

وعلى صدره أسرار العربية فكان حجة يرجع إليه في علومها، فإذا أخذ في تفسير آية من آيات الكتاب الحكيم، أو قصيدة لشاعر جاهلي أو غيره من فحول شعراء العربية رأيته بحراً زاخراً في الشرح والاستطراد والتفسير.

يصفه أخوه الشيخ كامل الغزي صاحب «نهر الذهب في تاريخ حلب» بقوله: عرف منذ صغره بالذكاء وسرعة البديهة، وقد حفظ ألفية ابن مالك، وهو في الثالثة عشرة من عمره، في عشرين يوماً، كما حفظ في بدء نشأته جملة وافرة في أشعار العرب ونبذاً كثيرة من مختارات الأدب…

وكان محصوله من العلوم: التفسير والحديث، علمي الفرائض والعروض والمنطق وأدب البحث والمناظرة ومصطلح الحديث، وهي العلوم التي كانت تدرس في المدارس الدينية، وقد ألم إلماماً واسعاً بالعلوم الحديثة، فدرس الفلسفة والطبيعيات وعلم الهيئة والفلك.

وبعد أن أكمل ثقافته الدينية والأدبية، انصرف انصرافاً كلياً إلى اللغة وكتب الأدب، ووصل به تعمقه إلى حفظ أكثر من كتاب واحد ـ حفظ أكثر النصوص، فكان يملي من حفظه كتاب «الأغاني» وشرح ديوان الحماسة وآمالي القالي، وكامل المبرد، ومختارات الشعراء الثلاثة: الطائي والبحتري والمتنبي وشعر أبي العلاء في سقط الزند واللزوميات..

وكان المعري من الشعراء المفضلين عنده. ولفرط حبه له آمن بمذهبه فلم يتزوج، وكلما عرض عليه أخوه وأصدقاؤه فكرة الزواج، كان ينشد قوله:

وما الدهر أهل أن يؤمل عنده                                    حياة.. وأن يشتاق فيه إلى النسل

ثم يتبع هذا البيت بأبيات كثيرة في هذا المعنى من اللزوميات.

وقد انقطع إلى الدرس فظل حتى الخمسين من عمره مجاوراً في المدرسة الرضائية لا يشغل نفسه إلا بطلب العلم والتبحر في فنونه، فلما ذاع فضله واشتهر، توجهت الأنظار إليه للإفادة من فضله وعلمه فانتخب نائباً عن حلب في مجلس المبعوثين ـ مجلس النواب ـ وشغل عدة وظائف في القضاء المدني والشرعي إلى أن عين في أخريات أيامه قاضي قضاة حلب…

ورائعته الشهيرة أرجوزة «حدائق الرند».

فقد ترجم عن التركية قصيدة المرحوم ضيا باشا الفيلسوف التركي الشهير الموسومة بـ «ترجيح بند»، وقد أجاد في ترجمتها وأبدع حتى جاءت كأنها عربية الأصل. وقد لا تقل في سبكها عن مقصورة ابن دريد، وحين ذاعت منع تداولها في عهد السلطان عبد الحميد لأنها تضمنت البيتين الآتين:

ظلم القوي للضعيف جار
كأنه لم يكفنا الأهوال
في الأرض والهواء والبحار
حتى تولى حكمنا الجهال

وصفه قسطاكي الحمصي بقوله:

«طود علم ووقار، وقطب أهل العلم في هذه الأقطار، كان متبحراً في علمي اللغة والأدب، يحفظ ويروي من نوادرهما ما يورث العجب، وكان إماماً في علوم الفقه والحديث والمنطق، فصيح العبارة بليغها، رخيم الصوت، يرتل القرآن ترتفع له حجب الأسماع»([3]).

الشاعر التركي ضيا باشا([4])

أما الشاعر التركي ضيا باشا، صاحب قصيدة «ترجيع بند» التي ترجمها الشيخ بشير الغزي الحلبي باسم «حدائق الرند» فنجد سيرته في دائرة المعارف الإسلامية وجاء فيها في اختصار:

ضيا كوك آلب (محمد ضيا بك):

مؤلف وشاعر وعالم اجتماعي وزعيم قومي تركي، ولد في ديار بكر سنة (1875) من أسرة من موظفي الحكومة العثمانية، والتحق بمدرسة الطب البيطري في الآستانة، على أنه تورط بسبب علاقته باللجنة الثورية على مغادرة قصبة البلاد والعودة إلى ولايته، ثم ظهر بعد ثورة 1908 بين أعضاء لجنة الاتحاد والترقي واشترك في مؤتمر سالونيك (1909) وشرع ينشر مبادئه الاجتماعية.. وقد شغل منذ سنة 1912 كرسي علم الاجتماع في جامع الآستانة وكان من مؤيدي أنور باشا خلال الحرب الأوربية ونفي إلى مالطة أثناء احتلال الحلفاء للأستانة.

وعاد في ربيع سنة 1921 إلى الأناضول.. ثم عين رئيساً للجنة «الترجمة والتأليف» في أنقرة، وكان من دعاة حزب الشعب وأنصاره الذي ألفه مصطفى كمال باشا.

واستأنف التدريس في جامعة الاستانة، وفي الآستانة توفي وهو لا يزال في مقتبل العمر في الخامس والعشرين من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1924.

 

وصف الديوان:

يقع الديون في اثنتي عشرة صفحة مقسمة إلى اثني عشر مقطعاً مختلفة عدد الأبيات، ويختتم الشاعر كل مقطع ببيت يلتزمه الشاعران في آخر كل مقطع، وهو:

سبحان من قد حير العقولا                                       بصنعه وأعجز الفحولا

وفي الديوان العربي، أبيات أخرى مكسورة فتركتها كما وردت حرصاً على الأصل.

وقدم للديوان محمد خير عقيل، وهذه مقاطع من المقدمة ص 2:

«وبعد فلما كانت المنظومة المسماة (ترجيع بند) والتي عبر عنها مترجمها الأستاذ العلامة الشيخ بشير أفندي المعروف بالغزي (بحدائق الرند) أي جنات الزهور قد نفدت بعد الطبع ولم يبق منها إلا النزر اليسير، وكان الأصل فيها إلى الشاعر التركي (ضيا باشا) وحولها نظماً المرحوم الأستاذ المشار إليه من التركية والفارسية إلى العربية نظماً بديلاً فائقاً مع تمام المطابقة والمحافظة على الأصلية التي جمعت كافة ضروب البلاغة والأمثال الحكمية».

إذن فالنسخة التي بيد أيدينا ليست من الطبعة الأولى وإنما هي من الطبعة الثانية، وما ندري كذلك تاريخ الطبعة الأولى كما لا ندري تاريخ الطبعة الثانية، وعسى أن نجد من يحدد أو ما يحدد تاريخ الطبعتين. ولكنهما حتماً في أوائل القرن العشرين.

أما تاريخ ترجمة الديوان فواضح في الصفحة الأولى منه وقد ورد فيها: «قد تم تعريبها غرة ربيع الأول سنة ألف وثلاثمائة وخمس عشرة([5]). في عصر مليكنا أمير المؤمنين.. السلطان الغازي عبد الحميد خان..

 

موضوع الديوان:

موضوع الديوان ديني اجتماعي، فهو يدعو للتفكير في صنع الله، في السماء والنجوم والأرض، وفي مخلوقاته من إنسان وحيوان، وفي الحياة والمجتمع وما فيهما من تناقضات ثم يثير تساؤلات لا جواب لها إلا السكوت عنها.

 

أسلوب الديوان:

الواقع أن الشاعر الغزي قد استطاع في ترجمته الشعرية لديوان الشاعر (ضيا) التركي (ترجيع بند) وهو باللغة التركية والفارسية الوصول إلى أمرين:

  • 1- أولهما: نقل أفكار الشاعر وفلسفته وحيرته في وفاء أمانة.
  • 2- وثانيهما: أن هذا النقل تم في أسلوب عربي رصين، دون زيادة مملة، ولا اختصار مخل، وتكاد تظن أن هذا الديوان من الشعر العربي الأصيل وأنه غير مترجم عن التركية لشاعر تركي، وهذه المرحلة هي أقصى ما يستطيع بلوغه المترجم الناجح الممتاز.

وأظن أن هذا الأسلوب المتين يدعونا إلى إعادة النظر في أسلوب الشعراء في أوائل القرن العشرين.

الألفاظ:

كل الألفاظ في الديوان مفهومة معروفة، ولكن الشاعر العربي اضطر إلى اللجوء إلى ألفاظ من القاموس لتتمشى مع ألفاظ الشاعر التركي في دلالتها ولا سيما في المقطع الرابع الذي يعدد فيه سلسلة عدوان الأقوياء على الضعفاء فاضطر إلى استعمال ألفاظ البغاث والرهام والأجدل والقرلى وثعالة.. ذلك أن الشاعر التركي جاء بها أو بنظائرها في التركية.

 

الإعراب:

تقيد الشاعر في الديوان بإعرابه تقيداً تاماً وزاد على ذلك فقام بشكل الكلمات شكلاً صحيحاً إلى حد بعيد.

 

الأوزان:

لزم الشاعر بحراً واحداً، وقد اختل هذا البحر في بعض الأحيان، كما لزم الأبيات المزدوجة التي يتفق صدرها وعجزها في قافيتهما وقد ساعده ذلك الازدواج على حسن التصرف في القافية الواحدة، كما ساعده على أداء المعاني دون زيادة ولا نقصان.

 

الخلاصة:

الحق أننا أمام ديوان ممتاز فكراً وأسلوباً وحق ديوان «حدائق الرند» رغم عدم شهرته أن يحتل مكانة بارزة في مقدمة دواوين الشعر المترجم.

رحم الله الشاعرين التركي والعربي.

دمشق في

15/06/2001

عبد المعين الملوحي

لتحميل الملف انقر هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *