على ضوء الشموع

على ضوء الشموع(1)

 

 

علمت قبل أن أزور حمص أنّ الكهرباء تقطع عنها على فترات ، كما تقطع في دمشق ولكني ما ظننت أنها تقطع خلال ساعات طويلة ، تكاد تستغرق اليوم كله ، وذات يوم استمر قطع الكهرباء من الواحدة ظهراً حتى الحادية عشرة ليلاً ، فأشعلت شموعي واحدة بعد واحــدة ، وكتبت على ضوئها الشاحب هذه الأبيات .

وقد لاحظت ويلاحظ الأخ القارئ انّ هذه الأبيات متقطعة كما كان النور يتقطع في شمعتي الراقصة . وإليكم هذه الأبيات :

على ضوء الشموع نظمت شعري

وتَعجبني مناجاة الشمــــوع

تسيل دموعها من حر نــــار
وسالت من هوى وجوى دموعي

وينفد عمرها الواهي سريعـــاً

وليس نفادُ عمري بالسريـــع

وتعطي ثم لا ترجو ثنــــاء

كأن عطاءها عطر الربيـــع

ولا أعطي ، وأرجو المدح زوراً

كأني بالمديح أسد  جوعـــي

قضيت العمر في قيد وكـــد

وفي فقر وفي مرض  مريــع

ولم آسف على فقدان  بعضـي

فهل آسى على فقد الجميـــع؟

سيشرق في الغد الآتي  ربيـع

ويغرب – دون ما عود ربيعـي

وعشت برغم ما قاسيت جلـداً

أواسي كل ذي قلب صديـــع

أعيش ، وكل إنسان شقيقــي

سقاه رغم فقر دمي –  نجيعـي

وأحمل فوق ظهري عبء أهلي

وأحمل داء قلبي في ضلوعـي

*      *       *       *

متى ألقاك يا بلدي سعيـــداً
وربعك ليس بالربع الجديـب ؟

لقد عبثوا بنهرك  فاستحالـت

مرابعه إلى قفر رهيــــب

أرى مستنقع العاصي   فأبكي

كأني قد فقدت به  حبيبـــي

ويجري أسود الأمواه ضحـلاً

ذليلاً ذلة العبد الغريــــب

ترى أيعود للعاصي صبـاه ؟

فيرفل بعد في ثوب قشــيب ؟

وأشرب ماءه بيديَّ صفـواً ؟

وكان يفيض بالماء  الشـروب

وتسبح فيه أسماك  تبـارى

تهز ، رشاقة ، وتر القلــوب

 

وتعمره الضفادع رائعــات

تنقنق في الصباح وفي الغروب

وفي شطيه شلال يـــدوي

دوي الرعد في الأفق الرحيـب

وألقى فيه آلامي  فتســري

مع الأمواج خامدة  اللهيـــب

وأقفز في المروج فتى رشيقاً

وأسبح فيه في مرح  عجيــب

وينظم فيه ديك الجن شعراً

يفوح بيانه فوح الطيــــوب

 

تغني عنده ورد و – بكر –

فتسري ” الآه ” في الليل الرهيب

 

وهب الطير مذعوراً فألفـــى

حبيباً نام في حضن الحبيـــب

*       *      *      *      *

على ضوء الشموع نظمت شعري

وتعجبني مناجاة  الشمــــوع

ولولا الشمس تنقذنا نهــــاراً

قضيناه على ضوء الشمـــوع

ـــــــــــــ

(1) – العروبة – العدد 7478  – التاريخ 30 / 9 / 1989

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *