عبد المعين الملوحي خسارة لاتعوض – بقلم شاهر نصر

الجهات الرسمية والأوساط الشعبية تعزي
واتحاد الكتاب العرب يكتفي بنعوة مجحفة
(نص الكلمة التي ألقيت في اجتماع جمعية الترجمة في اتحاد الكتاب العرب بدمشق)
فقدت سوريا والوطن العربي بتاريخ 21/3/2006 علماً من أعلام الشعر والترجمة وتحقيق التراث، والفكر التنويري الحر؛ إنّه عبد المعين الملوحي.
من الصعب الإحاطة بنتاج الملوحي في دراسة أو مقال، أو كلمة موجزة. إنّه ثروة وطنية حقيقية. امتاز بموسوعية قلّ نظيرها. ففي مجال الشعر، وفضلاً عن الشعر الذاتي والغزل، والطبيعة، والشعر الوطني، والقومي، والإنساني الأممي، اشتهر بقصائد الرثاء التي رثى بها زوجته “بهيرة” وابنته “ورود” ونفسه:
أبهيرتي! قالوا لنا: ما هكذا عرف الرثاء
قولي لهم: بل إنّه نار بها احترق البكاء

كم ثائر للكبرياء بكت عليه الكبــرياء
الحقد مثل النار، يأكله وتلعنه الســماء
ورثى أصدقاءه وأبطال الوطن ومفكريه، كيوسف العظمة:
قضيت شهيداً شامخ الرأس كاتباً بموتك للأجيال ملحمة كبرى
وسلطان باشا الأطرش:
كم فتى عانق الرمــاح عناقاً يحسب النقع ـ إن دجى النقع ـ كحلا
إن دعاهم (سلطان) لبوا وهبوا يحسبون الرصاص غيثاً وطــــلا
وإبراهيم هنانو، والقمران: فارس الخوري، وفايز الخوري، وأحمد شوقي:
كان للنسمة في الصبح أخاً يرسل الشعر علينا نفحات
وحافظ إبراهيم:
روعوه وحطموا أقلامه وسقوه بعد الشقاء حمامه
وعصام السرطاوي، وشهداء فلسطين، وفتحي كامل محمود، وغيرهم…
قبرت ولم نحفر لأعدائنـــا قبرا ومت ولم نشعل لظى الثورة الكبرى
ونمت وباغي مصر في مصر ساهر يفاوضها جهــــراً ويطعنها سرا
أزعم أنّه لم يكتب شاعر في العالم ما كتبه الملوحي في مجال الرثاء، من حيث صدق العاطفة، والشمولية، والمستوى الفني الرفيع، ليحوز بجدارة على لقب: أمير شعراء الرثاء..
إنّه شاعر عالمي يذخر شعره بالمستوى الفني الرفيع، والموسيقى والصور المؤثرة وغناه بالعاطفة، والمشاعر المتميزة، وامتلاكه للصفات والأخلاق الإنسانية النبيلة، والروح الوطنية الحرة الأبية، ونكران كل أشكال الاستغلال والظلم… ودعوته إلى الحب والنضال معاً، وهما زبدة حياته:
حياتي كأسان: حبٌّ وحرب
وكلاً شربت نهالاً نهــــالا
ولولا النضال جهلت الهوى
ولولا الهوى ما عرفت النضالا
أجل إنّه يتميز عالمياً بملاحم الرثاء الإبداعية الخالدة، والتي أؤكد أنّه سيأتي يوم تترجم فيه إلى لغات العالم، وسوف يتباهى بها العرب على صعيد الإنسانية جمعاء..
ومن مآثره أنّه ساهم في مجال الترجمة في كسر احتكار الترجمات الغربية إلى اللغة العربية، فترجم الأدب الفيتنامي والأدب الصيني، والباكستاني، والروسي… منحته حكومة فيتنام أرفع أوسمتها، وقال له رئيس جمهورية الفيتنام في الرسالة المرافقة لمنحه الوسام: “لقد ساهمتم جدياً في تحرير بلادنا”.
كما أنه عمل في مجال تحقيق التراث، وهو يرى أن إحياء الجوانب المشرفة في التراث لا يمنعنا من فضح القضايا المظلمة فيه.
وعرف بتمكنه المتميز من اللغة العربية، حتى لقب بسيبويه القرن العشرين، لقد كان مدافعاً عن اللغة العربية، ومع تطورها الدائب…
كان اسمه وعناوين كتبه من الأسرار التي تخفى عن أعين رجال البوليس، كما قال عنه المفكر العربي الحر هادي العلوي، والذي لقبه بـ “زيتونة الشام”.
لقد أصدر مئة كتاب وكتاب، فضلاً عن عشرات المخطوط التي لم يستطع نشرها لأسباب منها مادي، ومنها عدم موافقة وزارة الإعلام واتحاد الكتاب العرب على نشرها ككتاب “عبد المعين الملوحي في السجن”… ومن الأمور التي كانت تثير شجونه انتظاره موافقة تلامذة تلامذته على طباعة كتبه… وتعليقاً على ذلك قال لي أحد الناشرين: إنّ اتحاد الكتاب العرب يتخلف في أدائه عن بعض الأجهزة الأمنية.
لم ينل شاعرنا وأديبنا حقه، وأزعم أنّ أقرب المقربين إليه لم يعرفوه حق معرفة… وبدلاً من إنصاف شاعرنا وأديبنا بنشر أعماله، يقوم اتحاد الكتاب بإجحاف حقه حتى في مماته، وهذا جلي من النعوة التي نشرت في العدد /1427 / تاريخ /25/ 3/2006 من “الأسبوع الأدبي” والتي جاء فيها: “له أكثر من ثلاثين عملاً من دراسة وترجمة وقصة وشعر وتحقيق”. ألا يثير ذلك التساؤل… لقد تفاءلنا كثيراً بانتخابنا مكاتب جديدة في الاتحاد، ونخشى أن يتبخر تفاؤلنا سريعاً…
الملوحي الذي ربى الأجيال سجنه بعض من رباهم… ولم يسمحوا له بطباعة بعض كتبه، ونشر فكره، وهؤلاء سنراهم غداً كما قال في رثاء نفسه:
غداً سوف يبكون المعلم جثة
وقد صار عظماً في المقابر عافيا
تناسوا حقوقي في الحياة فإن أمت
تباكوا على القبر الوفي تباكيا
إنّهم يحطمون هامات الوطن:
على هامش هذه الكلمة جرى نقاش من قبل السادة أعضاء جمعية الترجمة، وطرح الأستاذ عيسى سمعان تساؤلاً حول أسباب الإجحاف الذي شمل أيضاً المفكر أنطون مقدسي، والذي تم إنهاء عمله في وزارة الثقافة بشكل غير لائق، بعد تسعين سنة من العطاء، وأجحف حقه أيضاً.. ورأت الأديبة لطيفة أبو ديب أنّ الأديب والمفكر يكبر بعمله وعطائه، ولا يكبر بالكرسي والمنصب الذي يتبوأه، أو النعوات… ورأى الأستاذ عبود كاسوحة أنّ ذلك لا يعني تبرير الإجحاف الذي يحل بمفكرينا وأدبائنا، وأن الغربيين نعوا أنطون مقدسي ولقبوه بسقراط سورية، والأجدى بنا أن نعطي الملوحي ومقدسي والمفكرين والمبدعين حقهم، وأيد ذلك الحضور، وعلق الأستاذ عياد عيد على البيتين الأخيرين في رثاء الملوحي لنفسه قائلاً: إنّهم لم يكلفوا أنفسهم حتى عناء الوقوف على قبره… ورأى الدكتور محمد دبيات ضرورة الاستفادة من إنتاج مبدعينا وعدم إجحافهم حقوقهم، ولو تطلب ذلك تنظيم كتب تطالب الجهات الرسمية بذلك… ونوه الأستاذ موسى عاصي بالخسارة الحقيقية لفقدان الأديب والشاعر عبد المعين الملوحي، ونوه بمآثره معدداً المسؤوليات التي شغلها في وزارة الثقافة، وفي المراكز الثقافية، ومستشاراً في القصر الجمهوري، ورأى الأستاذ نبيل أبو صعب أنّ ظاهرة إجحاف المبدعين حقهم، والتعتيم على من لا ينسجم ويتطابق مع النهج السائد، هي نهج يرتبط بحالة تحتاج إلى معالجة مبدأية… وكان أحد المثقفين والمهتمين بالشأن العام قد علق على هذه الظاهرة، والنعوة المجحفة بحق أمير شعراء الرثاء قائلاً: إنّهم يحطمون هامات الوطن.
طرطوس ـ دمشق 2-4/4/2006 شاهر أحمد نصر